بيان الجامعة البهائية العالمية بخصوص فيروس نقص المناعة/الإيدز والمساواة بين الجنسين: تحويل المواقف والسلوكيات وقد تم إعداده للدورة الاستثنائية للجمعية العمومية للأمم المتحدة بخصوص فيروس نقص المناعة/الإيدز.
نيويورك ، الولايات المتحدة الأمريكيةيزداد الاعتراف العالمي بالعلاقة بين وباء الإيدز وعدم المساواة بين الجنسين. وقد أخذت العدوى الجديدة لفيروس نقص المناعة/الإيدز في يومنا هذا، بالانتشار المتسارع بين النساء والفتيات أكثر منه بين الذكور؛ وبالتالي، فإنّ العام الماضي شهد وقوع نصف الحالات الجديدة من الإصابة بالمرض بين الإناث. وفي الدورة الخامسة والأربعين للجنة "مكانة المرأة" والتي عقدت مؤخراً كان موضوع فيروس نقص المناعة/الإيدز أحد المسائل الرئيسة المتداولة، وقد برز مدى تعقيد التحديات التي تواجه هذه المسألة بروزًا أشد في الترابط الذي يتعذر إنكاره بين الإيدز ومشكلة مستعصية كالتعصب الجنسي. لا مجال لإنكار أهمية البحث والتعليم والتعاون بين الحكومات والمجتمع المدني. إلاّ أنّ هناك وعي متزايد بضرورة حصول تغيير عميق في المواقف -الفردية والسياسية والاجتماعية- إن أردنا وقف انتشار هذا الوباء وضمان مساعدة الذين أصيبوا وتأثروا به. سيركز هذا البيان على مجموعتين من أكثر فئات الجالية أهمية وحاجة للتمثيل في هذه المناقشات العالمية: الأولى فئة الرجال، بسبب السيطرة التي مارسوها على حياة المرأة وفقًا للتقاليد؛ والثانية فئة الجاليات الدينية والعقائدية، بسبب القدرة التي يمتلكونها للتأثير على قلوب أتباعهم وعقولهم.
من أجل الحد من انتشار فيروس نقص المناعة/الإيدز بين النساء، يجب حصول تغييرات ملموسة في المواقف والسلوكيات الجنسية لدى الرجال والنساء على حد سواء، ولكن لدى الرجال خاصة. كما أنه يجب مجابهة الأفكار المضللة بخصوص طبيعة الشهوة الجنسية الشرهة للرجال. كما يجب فهم العواقب الحقيقية التي تصيب النساء -والرجال أيضًا- من جراء ممارسة وإشباع الرغبات الجنسية خارج نطاق الزوجية فهمًا تامًا. فيعد تثقيف النساء والفتيات في غاية الأهمية، إلاّ أن الوضع الراهن المتمثل في عدم تساوي كفتيْ القوى بين الرجال والنساء قد يمنعهن من عمل ما هو في صالحهن. بل في الحقيقة، أثبتت التجربة أن تثقيف النساء دون تثقيف الرجال في حياتهن، يضعهن في خطر أكبر من العنف. لذا فالمطلوب هو بذل الجهد لتثقيف كل من الفتيان والفتيات لاحترام أنفسهم وبعضهم البعض. لن تحسن ثقافة من الاحترام المتبادل حس احترام الذات لدى النساء والفتيات فحسب، بل الحس نفسه لدى الرجال والصبيان أيضًا، والذي بدوره سيؤدي إلى حس أكبر بالمسؤولية تجاه السلوك الجنسي.
لا يروج إنكار مساواة المرأة بالرجل مواقف وعادات سيئة لدى الرجال تؤثر على عائلاتهم وأماكن عملهم وقراراتهم السياسية وعلاقاتهم الدولية فحسب؛ بل إنه يسهم أيضاً بصورة جوهرية في انتشار فيروس نقص المناعة/الإيدز ويعيق تقدم المجتمع. لاحظوا كيف تتكاتف وتتآمر اللامساواة الاجتماعية المقبولة ثقافياً مع الهشاشة الاقتصادية لتترك النساء والفتيات في موقف لا يمتلكن معه القوة الكافية، أو أي منها، لرفض الممارسة الجنسية غير المرغوبة أو غير الآمنة. مع ذلك، ما أن تصاب النساء بفيروس نقص المناعة/الإيدز، حتى يتم وصمهن في الغالب على أنهن مصدر المرض ومن ثم يضطهدن اضطهادًا قد يكون عنيفًا في بعض الأحيان. وفي الوقت نفسه، تقع مسؤولية العناية بالمصابين بمرض فيروس نقص المناعة/الإيدز وبالأطفال الميتمين من جراء هذا المرض في أكثر الحالات على عاتق النساء. يجب الآن إعادة فحص الأدوار التقليدية المنسوبة لكلا الجنسين، والتي مضت عليها أجيال دون مساءلة، وذلك تحت ضوء من العدالة والشفقة. في النهاية، لا يستطيع شيء أقل من تحول روحاني جذري تحريك الرجال -والنساء أيضًا- للكف عن السلوكيات المسهمة في انتشار الإيدز. وتحوّلٌ كهذا هو من الأهمية للرجال كما هو للنساء بالدرجة تفسها، لأنه "طالما منعت النساء من بلوغ أقصى ما لديهن من إمكانات، سيبقى الرجال غير قادرين على بلوغ العظمة التي يستطيعون إدراكها."(1)
ولمّا كانت رعاية جوهر البشرية الروحاني النبيل من إختصاص الدين دائمًا، لذلك تستطيع المجتمعات الدينية أن تلعب دوراً هاماً في إيجاد تغيير في القلوب وما يترتب عليه من تغيير في السلوكيات يجعل من الممكن حدوث استجابة فاعلة لأزمة الإيدز.
إن رؤساء المجتمعات الدينية والعقائدية على وجه الخصوص مجهزون للتعامل مع البعد الأخلاقي لأزمة الإيدز وذلك من ناحيتي الوقاية والعلاج. سيقل انتشار فيروس نقص المناعة/الإيدز بقدر كبير في حال تعلم الأفراد احترام قداسة العائلة، بالإمتناع عن الممارسات الجنسية قبل الزواج ثم وفاء الزوجين بعضهم لبعض في فترة الزوجية، كما تؤكد عليه معظم الأعراف الدينية والعقائدية.
يُناشَد رؤساء الأديان وأصحاب العقائد الروحانية أيضًا ليستجيبوا بكل محبة وشفقة للمعاناة الشخصية الشديدة للمتأثرين، سواء بصورة مباشرة أوغير مباشرة، بأزمة الإيدز. إلاّ أن، ميل المجتمع ككل للحكم على المبتلين بهذا المرض ولومهم، أعاق روح الشفقة تجاه ضحاياه منذ بداية ظهور هذا المرض. وقد أدى ما تبع ذلك من إلصاق وصمة عار على المصابين بفيروس نقص المناعة/الإيدز حتى الآن إلى تعزيز مقاومة شديدة من قبل الأفراد المصابين ضد السعي وراء العلاج ومن جهة أخرى مقاومة المجتمع لتغيير المواقف والممارسات الثقافية اللازم تغييرها للوقاية من هذا الداء وعلاجه. وقد يكون حكم كهذا على الأفراد أشد بروزًا في المجتمعات الدينية التي تكافح من أجل المحافظة على مستوى راقٍ من السلوك الشخصي. إن أحد الأمور الروحانية التي تبدو متناقضة للناظر هي الواجب الفردي لكل مؤمن أن يتمسك بمعيار سام جداً من السلوك الفردي والقيام في الوقت ذاته بمحبة ورعاية غيره من القاصرين -لأي سبب كان- عن بلوغ ذلك المقام السامي. ما ينساه الناس كثيراً هو أن "السلوك الأخلاقي" لا يشتمل على امتلاك الوازع الفردي فحسب بل على امتلاك الشفقة والتواضع أيضاً. على المجتمعات الدينية والعقائدية أن تجهد دومًا لتخلص نفسها من المواقف التي تسعى للحكم على الغير، لتتمكن من ممارسة قيادة أخلاقية تشجع المسؤولية الفردية، والحب المتبادل للجميع، والجرأة لحماية الفئات التي هي عرضة للاستغلال في المجتمع.
إننا نرى بوادر الأمل في التزايد الملحوظ للتعاون والتحاور بين الأديان. ثم إن المجتمعات الدينية والعقائدية تعترف بصورة متزايدة بما تفضل به حضرة بهاء الله بقوله: "إن جميع الأحزاب متوجهون إلى الأفق الأعلى وعاملون بأمر الحق". في الحقيقة، إنها تلك الطبيعة السامية للروح الإنسانية في مسيرها للتقرب من ذات الغيب المنيع الذي لا يُدرَك الذي هو الله -عز وجل- الذي يحفز ويهذب القدرة الإنسانية على بلوغ التقدم الروحاني والذي يترجم الى تقدم اجتماعي. ومع تزايد التحاور والتعاون والاحترام بين المجتمعات الدينية، ستتهاوى تدريجيًا الممارسات والتقاليد الثقافية والدينية التي تميز ضد النساء مهما كانت شديدة ومحصنة وستكون هذه خطوة أساسية في سبيل الحدّ من انتشار فيروس نقص المناعة/الإيدز.
والواقع إنّ الاعتراف بكون الأسرة البشرية عائلة واحدة له أثر في القلوب فتجعلها ترق، والعقول بأن تتفتح، ومواقف الرجال والنساء بأن تتحول جذريًا. وبواسطة هذا التحول سيصبح ممكنًا إيجاد رد فعل للأزمة العالمية لفيروس نقص المناعة/الإيدز يتسم بالتماسك والشفقة وكونه منطقيًا.
الهوامش: